عيسى بو عيسى-
بعد ان دهس 36 مواطنا قبطيا في مصر تحت دواليب المصفحات والمجنزرات اعلن قائد شرطة مصر للمتصل به من وزارة الداخلية المصرية «ان الوضع قد سوي والاجواء جيدة»، وفيما الاقباط يذبحون بعد ثورة كان من المفترض بها ان تفتح صفحة جديدة في تاريخ بلاد النيل واعطاء الحقوق للاقليات ولم يسمع صوت من لبنان يستنكر هذه المجزرة المنقولة عبر وسائل الاعلام حيث تولت الوسائل الاعلامية المصرية التحريض على القتل، في هذا الوقت تستمر الولايات المتحدة ومعها اوروبا في عملية تفتيش مضنية حول امكانية وجود مسيحيين في بعض الدول العربية تمهيداً لتصفيتهم تحت ذرائع عدة دون الالتفات لاي رادع اخلاقي سوى التطلع نحو براميل النفط في هذه البلاد.
وتقول اوساط مسيحية انه بعد ان هرمت الدولة الفرنسية وشاخ معها مفهوم الام الحنون سارت على نفس الدرب الاميركي في التعامل مع اللبنانيين والمسيحيين في ازهاق ارواحهم، وانكسر ظهر المسيحيين في هذا الشرق المترامي ومهد السيد المسيح لتعوم بعده بقايا براميل النفط في مياه الخليج العربي وتستعرض هذه الاوساط اوضاع المسيحيين الحقيقية والتي لا يعمد الى صدقية مشهدها بعض اهل السياسة في لبنان وفق الصورة التالية:
1- بات واضحاً ان المسيحيين القاطنين منذ زمن قرب قبر المسيح في القدس غادروا وتم ترحيلهم بالترغيب والترهيب ولم تسأل اية جهة عن معاني وجود قبر مخلص العالم في هذا الخلو التام من اتباعه، واذا كانت المسؤولية تقع خارج فلسطين وفي الكنائس الانطاكية المشرقية فان الامكانيات المحدودة لها جعلتها في موقف المتفرج على وليدة اميركا واعمالها لتفريغ الارض من شعوبها، وتقول هذه الاوساط انه في اللحظة التي لفظ فيها السيد المسيح انفاسه في تلك الارض وقيامه في اليوم الثالث عرف اليهود واشهروا مقولتهم التاريخية: لقد بدأت الحكاية، وبالفعل ترجم اليهود هذا الخلاص اعمالاً تنفيذية بحق المسيح واتباعه ليس في فلسطين فحسب انما كيفما طالت اليد الصهيونية في البلاد العربية.
2- خرج المسيحيون في العراق في الوقت الذي كانوا يعتقدون فيه ان ايامهم في البحبوحة والحرية قادمة مع الدبابات الاميركية، نسي الاميركيون شعوباً عمرها ستة الاف سنة فيما سن اكتشاف قارتهم لا يقارن ببناء كنيسة في جرد لبنان وعمدوا الى التنكيل بهذه الشعوب تهجيرا واضطهاد واغضوا الطرف عن المجازر وانهمكوا بجمع الاموال وتجميع ابار النفط تماما كما فعلت اسرائيل حين دخلت لبنان لتنقذ المسيحيين لتنكشف الصورة الحقيقية لذاك الاجتياح المشؤوم، ففي حين كان المسيحيون يعيشون بوئام مع اهلهم الدروز في الجبل عمدت قوات «جيش الدفاع الاسرائيلي» ليس فقط الى ادارة ظهرها للمذابح انما شاركت في قسم منها وعناصر القوات اللبنانية الذين كانوا في الجبل خير شاهد على افعال اسرائيل التي قصمت ظهر المسيحيين في اهم مواقعهم في جبل لبنان وما زالت آثار اقدامها موجودة في ساحات وطرقات البلدات المنكوبة، ولم تكتف بهذا القدر وبتغطية اميركية واضحة تمت عملية محو قذرة للمسيحيين في اقليم الخروب لتلتحق به مناطق شرقي صيدا بكاملها ولاحق الاسرائيليون اهالي الشريط الحدودي واقفلوا البوابات بوجههم ولو لم تكن هناك سياسة راشدة لدى القوى المنتصرة في الجنوب ومنعت اعمال الانتقام والقتل، لكان المسيحيون قد اجهز عليهم بفعل ادارة مدروسة من قبل اسرائيل، ولم تكلف اميركا نفسها تماما كما حدث في العراق ولو بالاستنكار او ارسال المعونات بل تركتهم يدخلون في فم الذئب وهي تتفرج.
3- وجاء دور سوريا اكبر الدول التي يعيش فيها المسيحيون وبسحر ساحر بدأ السيناريو يتكرر تحت حجج واهية ووفق التشكيلة الاميركية، ففي العراق قنابل كيماوية وفي ايران سلاح نووي اما في سوريا فالحرية مطلب شعبي فركبت اميركا هذه الموجة وبدأت باللعب على قسماتها ليس حبا بالحرية والكلمة الحرة انما سوف تبقى تداعب هذه العبارات الى حين ايجاد مبرر «كيماوي او نووي» من اجل ضرب سوريا وعندما تنجح ويلتحق المسيحيون باخوانهم في العراق وفلسطين ومصر يعلن اهل الادارة الاميركية كما اعلنوا من قبل ان سوريا خالية من اي سلاح استراتيجي يهدد اسرائيل وهنا يقبع السر الخبيث ليكون الجميع في خدمة امن اسرائيل وليس لاي سبب آخر فالامور تتعاظم لدى تهديد هذا الامن وتصغر عند محو امة بكاملها من اهل العرب.
وتقول الاوساط المسيحية عرف بطريرك الموارنة مار بشارة بطرس الراعي سر الحكاية الاميركية، وانعم الله عليه هذا العقل المتنور في سعيه نحو خلاص المسيحيين، فهو قد التفت الى الوراء قليلا وشاهد تواريخ قطيعه على ضرائحهم مذبوحين ومقتولين فيتسابق الراعي مع الوقت وقبل فوات الاوان ولم يجلس في كرسيه الانطاكي يحاكي المذابح عن بعد بل ذهب الى اقاصي الدنيا والى حيث لم يجرؤ ابن امرأة على الدخول تماما كما دخل سيده اورشليم منذ الفي سنة واعظا منبها محذرة من الاتي باسم الغرب فالمسيحيون لن يتقوقعوا ولن ينفصلوا عن محيطهم وهم رواده ولن يعملوا خدما عند ايّ من الانظمة او شعوب متنوعة اجتمعت فيما بينها واطلقت على نفسها اسم امة وهي كناية عن دول تستأجر رعايا لتدير بلادها من اي عرق كان فالمسافة بين الشرق والغرب وان كانت قصيرة اليوم الا ان ذاكرة التاريخ تعج بالسريان والاشور والكلدان الذي هم اصل الدنيا وعلى الباقي خدمتهم وليس ذبحهم فاتركوا الراعي يعمل.
....
ليلى نقولا الرحباني -
يعيش لبنان منذ تأسيسه مخاطر جمّة، منها ما يتعلق بوجوده في منطقة زلازل سياسية ومشاكل إقليمية دائمة منذ تأسيس دولة إسرائيل، ومنها ما هو بنيوي يرتبط بهيكلية الفساد المعشش في البنى السياسية والاجتماعية والإدارية منذ ما قبل تأسيس دولة لبنان الكبير، بالإضافة إلى استفادة هذا الفساد من البنى الطائفية ونظام المحاصصة الطائفي المستمد من نظام الملل العثماني الذي أنشأ ما يشبه فيدرالية الطوائف المتناحرة على الوطن.
واليوم، وبعد وصول الوطن إلى مستويات منحدرة من الانهيار الاقتصادي الاجتماعي الذي ضرب الفئات الشعبية كافة، باتت الحاجة ملحة جداً للسير بمسيرة إصلاحية لبناء الدولة، يتحمل مسؤوليتها جميع شرائح الطبقات السياسية والاجتماعية على حد سواء. أما القوى المدعوة إلى أن تضافر جهودها، فهي بالأساس الفئات السياسة التي لم تشارك في الفساد المتعاقب منذ عقود، بالإضافة إلى شرائح المجتمع اللبناني المتضرر من هذا الفساد المستشري الذي يؤدي إلى استئثار قلة فاسدة منتفعة بمقدرات بلد بكامله.
وتنقسم الفئات المخاطبة بهذا النداء للإصلاح إلى فئات ثلاث على الشكل التالي:
أولاً: الفئات التي لم تشارك بالحكم في العقود الماضية، والتي كانت خارجه تماماً، وهي منقسمة اليوم بين معارضة وموالاة.
بالنسبة للفئات المعارضة اليوم، والتي لم تكن جزءاً من تركيبة السلطة السياسية قبل عام 2005، فهي مدعوة كما الموالاة، وإن بمسؤولية أقل، للمساهمة في مسيرة إصلاح الدولة وتطهيرها من الفساد، فالخروج من الحكم لا يعني بأي حال من الأحوال الخروج من الوطن أو الدولة. وإن كان البعض يتهم هذه الفئات بأنها ساهمت في الفساد الذي مورس بعد عام 2005 فهي مدعوة أيضاً إلى إسقاط هذه التهمة عن نفسها، وذلك من خلال عدم تغطية الفاسدين والدفاع عنهم بحجة احترام التحالفات أو الكيدية السياسية أو غيرها.
أما المسؤولية الأكبر في مكافحة الفساد واستئصاله، فيتحملها متولو السلطة السياسية، أي الحكومة اللبنانية، التي تمتلك سلطة المعالجة وسلطة المكافحة وسلطة الرّدع، ولا ينفع ادعاء بعض الفئات السياسية المكوّنة للحكومة بضغوط خارجية أو داخلية أو طائفية للتهرب من مسؤولية مكافحة الفساد، وإقامة حكم العدل وإحقاق الحق بين المواطنين.
من هنا، انطلاقاً من مبدأ ثابت يفيد أن "الساكت عن الشر شيطان أخرس"، فإن القوى السياسية والاجتماعية كافة، وخصوصاً القوى المشاركة في الحكومة، مدعوة لمكافحة الفساد والسير في مسيرة بناء الدولة، لا بل إن ادعاء هذه القوى عدم شراكتها بالفساد السابق، لا يعفيها من تحمل مسؤولية المشاركة فيه، أما من خلال تلكئها عن مكافحته أو عبر صمتها عنه وتغطيته الذي يجعلها حامية ومشرعنة له حتى لو لم تكن شريكة فيه.
ثانياً: المقاومة، وهي مدعوة للمشاركة بفاعلية وقوة في مسيرة الإصلاح والقضاء في الفساد، إذ لا يمكن لأي شعب أن يدّعي الحافظ على سيادته واستقلاله من خلال امتلاك القوة العسكرية فقط، ويتغاضى عن حالة الاهتراء الداخلي التي تعيشها دولته ومن النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لكي تتحقق الدولة القوية القادرة التي تحافظ على المقاومة ومكتسباتها وما حققته لغاية الآن من تحرير للأرض وحفظ للإنسان فيه، بات على المقاومة أيضاً أن تسهم في محاربة الفساد الذي يكاد يقضي على الدولة والوطن، ويمنع المواطنين من التمتع بأبسط معايير العدالة الإنسانية، ويمنع عنهم مواصفات المواطنية الصحيحة. لم يعد مقنعاً التقاعس عن محاربة الفساد أو غض النظر عن إصلاح الدولة وبنائها على أسس العدالة والشفافية والحكم الصالح بذريعة حماية المقاومة وسلاحها. فالفساد في لبنان أصبح بنيوياً في هيكل الدولة والمجتمع، حتى يكاد يقضي على الهيكل بمن فيه.
ثالثًا: المجتمع اللبناني: لا يمكن بأي حال من الأحوال، إعفاء المجتمع اللبناني من مسؤولية انتشار الفساد وتطوره، فقد انتشرت في الثقافة اللبنانية مفاهيم قيميّة ومثل شعبية تدعو إلى السكوت عن الفساد وتشجيعه، من خلال الدعوة إلى الحياد من منطلق "شو وقفت عليي؟" أو "حايدي عن ضهري".. أو على الأقل التخلي عن محاربته بذريعة تسهيل سبل العيش وتيسير الأمور الإدارية البيروقراطية، فبات الفساد وسيلة فعالة لتسهيل للمعاملات، أو مختصر للوقت أو غيرها.
من هنا، تغدو مسؤولية محاربة الفساد واستئصاله، مسؤولية عامة يتحملها الجميع، وخصوصاً المؤسسات المجتمعية كالعائلة والمدرسة والجامعة وغيرها باعتبارها مسؤولة عن تغيير ذهنية اجتماعية، تكاد تقضي على الوطن وتستبيحه أمام الرياح التي تعصف به من كل حدب وصوب.
لطالما كان الوطن اللبناني بحاجة إلى مقاومة شعبية وسياسية دائمة منذ تأسيسه، فالأخطار التي تتهدده، لم تكن يوماً خارجية فقط، بل هي داخلية أيضاً قد تؤدي في بعض الأحيان إلى كوارث توازي احتلال الأرض، إذ قد تؤدي هذه الآفات الاجتماعية التي تحولت إلى سرطان مستفحل ينخر جسد الوطن، مما قد يؤدي إلى انهيار الدولة والمجتمع.
إن القول بحماية الوطن عسكرياً وحمايته من الأخطار والاعتداءات الإسرائيلية وحدها لا تكفي للحفاظ على سيادته، بل باتت المعالجة الداخلية واستئصال الفساد وبناء الدولة على أسس الشفافية والعدالة والحكم الصالح بنفس أهمية الحماية من التهديدات الخارجية، لأن انهيار الوطن اقتصادياً واجتماعياً، يستبيحه ويقض سيادته الاقتصادية ومنعته الاجتماعية بشكل لا يقل خطورة وأهمية عن بسط النفوذ العسكري عليه، لا يمكن لدولة منخورة بالفساد وعدم العدالة أن تقاوم عدواً شرساً يربض على حدودها، فمقومات المناعة الاجتماعية والمقاومة الفاعلة لم تكن يوماً عسكرية فقط، ولنا في حالة انهيار الاتحاد السوفياتي الذي انهار من الداخل عبرة مفيدة، هل استطاعت الترسانة العسكرية الهائلة التي امتلكها الاتحاد أن تمنع انفجاره من الداخل؟